فصل: التفسير المأُثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

سورة القارعة:
{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)}
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في أول سورة الواقعة، وقال: كالطامة والصاخة، والآزفة، والقارعة. اهـ. أي وكذلك الصاخة والساعة.
ومعلوم أن الشيء إذا عظم خطره كثرت أسماؤه.
أو كما روي عن الإمام على: كثر الأسماء تدل تدل على عظم المسمى.
ومعلوم أن ذلك ليس من المترادفات، فإن لكل اسم دلالة على معنى خاص به.
فالواقعة لصدق وقوعها، والحاقة لتحقق وقوعها، والطامة لأنها تطعم وتعم بأحوالها، والآزفة من قرب وقوعها أزفت الآزفة مثل اقتربت الساعة، وهكذا هنا.
قالوا: القارعة: والحاقة لتحقق وقوعها، والطامة لأنها تطم وتعم بأحوالها، والآزفة من قرب وقوعها أزفت الآزفة مثل اقتربت الساعة، وهكذا هنا.
قالوا: القارعة مثل قرع الصوت الشديد لشدة أهوالها.
وقيل: القارعة اسم للشدة.
قال القرطبي: تقول العرب: قرعتهم القارعة وفرقتهم الفاقرة، إذا وقع بهم أمر فظيع.
قال ابن جرير:
وقارعة من الأيامِ لولا ** سبيلهم لزاحت عندك حِنا

وقال تعالى: {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} [الرعد: 31]، وهي الشديدة من شدائد الدهر.
وقوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة}، تقدم قولهم: إن كل ما جاء وما أدراك أنه يدريه وما جاء وما يدريك لا يدريه.
وقد أدراه هنا بقوله: {يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش} [القارعة: 4-5]، وهذا حال من أحوالها.
وقد بين بعض الأحوال الأخرى في الواقعة بأنها خافضة رافعة، وهي الطامة والصاخة: ينظر المرء ما قدمت يداه.
وقوله: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس: 34-35].
وأيضًا فإن كل حالة يذكر الحال الذي يناسبها، فالقارعة من القرع وهو الضرب، ناسب أن يذكر معها ما يهن قوى الإنسان إلى ضعف الفراش البثوث، ويفكك ترابط الجبال إلى هباء العهن المنفوش.
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)
الفراش: جمع فراشة.
وقيل: هي التي تطير وتتهافت في النار.
وقيل: طير رقيق يقصد النار ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق.
وذكر الشيخ في إملائه قول جرير:
إن الفرزدق ما علمت وقومه ** مثل الفراش غشين نار المصطلى

وقال الفراء: هو غوغاء الجراد الذي ينتشر في الأرض ويركب بعضه بعضًا من الهول.
ونقل القرطبي عن الفراء: أنه الهمج الطائر من بعوض وغيره.
ومنه الجراد. ويقال: هو أطيش من فراشة قال:
طويش من نفر أطياش ** أطيش منن طائرة الفراش

وفي صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد نارًا فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذُبُّهن عنها. وأنا آخذ بِحُجزِكم عن النار وأنتم تفلِّتون من يدي».
والمبثوث: المنتشر.
ومثله قوله: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} [القمر: 7].
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، بيانه في (سورة اقتربت الساعة)، سورة ق والقرآن، وسورة يس والقرآن الحكيم. بما يغني عن إعادته هنا.
وقد قيل: إن وصفها بالفراش في أول حالها في الاضطراب والحيرة.
ووصفها كالجراد في الكثرة ووحدة الاتجاه {مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع يَقول الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر: 8].
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعايه في سورة الواقعة بيان أحوال الجبال يوم القيامة من بدئها بكثيب مهيل، ثم كالعهن المنفوش، ثم تسير كالسراب.
وأحال فيها على غيرها، كقوله: {تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} [النمل: 88].
وتقدمت الإشارة إلى ذلك في سورة سأل سائل.
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)
في قوله: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}، دلالة على وقع الوزن لكل إنسان.
والموازين: يراد بها الموزون، ويراد بها آلة الوزن، كالمعايير، وهما متلازمان.
وتقدم أن المعايير بالذرة وأقل منها.
وقد جاء نصوص على وضع الموازين وإقانتها بالعدل والقسط.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان ذلك عند قوله تعالى: {وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقال حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وكفى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].
وقوله: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ}، قالوا: بمعنى مرضية، وراضية أصلها مرضية، كما في قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} [الغاشية: 8-9]، إسناد الرضى للعيشة، على أنها فاعلة الرضى، لأن كلمة العيشة جامعة لنعيم الجنة وأسباب النعيم، راضية طائعة لينة لأصحاب الجنة، فتفجر لهم الأنهار طواعية، وتدنو الثمار طواعية، كما في قوله: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة: 23].
فالقول الأول: هو المعروف في البلاغة بإطلاق المحل وإرادة الحال، كقوله تعالى: {فَلْيَدْعُ ناديه} [العلق: 17].
والنادي: مكان منتدى القوم، أي ينادي بعضهم بعضًا للاجتماع فيه.
والمراد: من يحل هذا النادي، ويكون هنا أطلق المحل وهو محل العيشة، وأراد الحال فيها.
وعلى الثاني: فهو إسناد حقيقي من إسناد الرضى لمن وقع منه أو قام به. زمما هو جدير بالذكر أن حمله على الأسلوب البياني ليس متجهًا كالآية الأخرى، لأن العيشة ليست محلًا لغيرها بل هي حالة، والمحل الحقيقي هو الجنة والعيشة حالة فيها، وهي اسم لمعاني النعيم كما تقدم، فيكون حمل الإسناد على الحقيقة أصح.
وقد جاءت الأحاديث: أن الجنة تحس بأهلها وتفرح بعمل الخير، كما أنها تتزين وتبتهج في رمضان، وأنها تناظرت مع النار. وكل يدلي بأهله وفرحة بهم، حتى وعد الله كلًا بملئها.
ونصوص تلقي الحور والولدان والملائكة في الجنة لأهل الجنة بالرضى والتحية معلومة.
وقوله: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} [يس: 57]، أي لا يتأخر عنهم شيء.
وقوله: {وَقال لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ} [الزمر: 73].
وقوله: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطرف لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ} [الرحمن: 56].
وقاصرات الطرف عن رضى بأهلهن. ومنه {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الرحمن: 72]، أي على أزواجهن.
وقوله: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14]، ونحو ذلك، مما يشعر بأنه نعيم الجنة بنفسه راض بأهل الجنة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)
وقع الخلاف في المراد من قوله: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}، هل المراد بأمه مأواه وهي النار، وأن هاوية من أسمائها، أم المراد بأمه رأسه وأن هاوية من الهوى، فيلقى في النار منسكًا رأسه يهوى في النار.
وقد بحث الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ذلك في دفع إيهام الاضطراب، ولا يبعد من يقول إنه لا تعارض بين القولين.
فتكون أمه هاوية، وهي النار ويلقى فيها منكسًا تهوى رأسه والعياذ بالله.
وحكى القرطبي على أن الأم بمعنى قول لبيد:
فالأرض معقلنا وكانت أمنا ** فيها مقابرنا وفيها نولد

وعلى معنى الهاوية البعيدة والداهية، قول الشاعر:
يا عمرو لو نالتك رماحنا ** كنت كمن تهوى به الهاوية

والهاوية: مكان الهوى.
كما قيل:
أكلت دمًا إن لم أرعك بضرة ** بعيدة مهوى القبرط مياسة القد

أو طيبة النشر.
وفي الحديث: «إن أحدكم ليتكلم بالكلمة لا يلقى لها بأسًا يهوى بها في النار أربعين خريفًا».
نسأل الله السلام.
وقد فسر الهاوية بما بعدها: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: 10-11].
وقد فسر الهاوية بأنها أسفل دركات النار. عي إذا بالله.
وقد جاء قوله تعالى: {كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الحطمة وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحطمة نَارُ الله الموقدة} [الهمزة: 4-6].
والنبذ: الطرح، مما يرجع ما قلناه من إمكان إرادة المعنيين كون أمه هي الهاوية أي النار، يهوى فيها على أُم رأسه، وذلك بالنبذ في الهاوية بعيدة المهوى، وعادة الجسم إذا ألقى من شاهق بعيدًا يسبغه إلى أسفل أثقله، وأثقل جسم الإنسان رأسه. والله تعالى أعلم. اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)}
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت سورة القارعة بمكة، وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: القارعة من أسماء يوم القيامة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} قال: هذا هو الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار، وفي قوله: {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} قال: كالصوف، وفي قوله: {فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية} قال: هي الجنة {وأما من خفت موازينه فأمه هاوية} قال: هي النار مأواهم وأمهم ومصيرهم ومولاهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فأمه هاوية} قال: مصيره إلى النار، وهي الهاوية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس {فأمه هاوية} كقولك هويت أمه.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة قال: هي كلمة عربية إذا وقع رجل في أمر شديد قالوا: هويت أمه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي خالد الوالبي {فأمه هاوية} قال: أم رأسه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: أم رأسه هاوية في جهنم.
وأخرج ابن جرير عن أبي صالح قال: يهوون في النار على رؤوسهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: الهاوية النار هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ويأوي إليها.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الأشعث بن عبد الله الأعمى قال: إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى روح المؤمنين فتقول: روحوا لأخيكم فإنه كان في غم الدنيا ويسألونه ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ فيخبرهم فيقول صالح حتى يسألوه ما فعل فلان فيقول: مات أما جاءكم فيقولون: لا ذهب به إلى أمه الهاوية.
وأخرج الحاكم عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات العبد تلقى روحه أرواح المؤمنين فيقولون له: ما فعل فلان فإذا قال مات قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية».
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات المؤمن تلقته أرواح المؤمنين يسألونه ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ فإن كان مات ولم يأتهم قالوا خولف به إلى أمه الهاوية بئست الأم وبئست المربية، حتى يقولوا: ما فعل فلان. هل تزوج؟ ما فعلت فلانة هل تزوجت فيقولون: دعوه فيستريح فقد خرج من كرب الدنيا».
وأخرج ابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقتها أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير من أهل الدنيا فيقولون: انظروا صاحبكم يستريح فإنه كان في كرب شديد، ثم يسألونه ما فعل فلان وفلانة هل تزوجت؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقول هيهات قد مات ذاك قبلي، فيقولون: إنا لله وإنه إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية».
وأخرج ابن المبارك عن أبي أيوب الأنصاري قال: إذا قبضت نفس العبد تلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا فيقبلون عليه ليسألوه فيقول بعضهم لبعض: انظروا أخاكم حتى يستريح، فإنه كان في كرب، فيقبلون عليه يسألونه ما فعل فلان ما فعلت فلانة هل تزوجت؟ فإذا سألوه عن الرجل مات قبله قال لهم: إنه قد هلك فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية، فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسنًا فرحوا واستبشروا وقالوا: هذه نعمتك على عبدك فأتمها وإن رأو سوءًا قالوا: اللهم راجع عبدك.
قال ابن المبارك ورواه سلام الطويل عن ثور فرفعه.
وأخرج ابن المبارك عن سعيد بن جبير أنه قيل له: هل يأتي الأموات أخبار الأحياء؟ قال: نعم، ما من أحد له حميم إلا يأتيه أخبار أقاربه، فإن كان خيرًا سرّ به وفرح به، وإن كان شرًا ابتأس لذلك وحزن، حتى إنهم ليسألون عن الرجل قد مات فيقال: ألم يأتكم؟ فيقولون: لقد خولف به إلى أمه الهاوية.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: مر عيسى عليه السلام بقرية قد مات أهلها إنسها وجنها وهوامها وأنعامها وطيورها، فقام ينظر إليها ساعة، ثم أقبل على أصحابه فقال: مات هؤلاء بعذاب الله، ولو ماتوا بغير ذلك ماتوا متفرقين، ثم ناداهم: يا أهل القرية. فأجابه مجيب: لبيك يا روح الله.
قال: ما كان جنايتكم؟ قالوا عبادة الطاغوت وحب الدنيا.
قال: وما كانت عبادتكم الطاغوت؟ قال: الطاعة لأهل معاصي الله تعالى.
قال: فما كان حبكم الدنيا؟ قالوا: كحب الصبيّ لأمه. كنا إذا أقبلت فرحنا، وإذا أدبرت حزنا مع أمل بعيد وإدبار عن طاعة الله وإقبال في سخط الله.
قال: وكيف كان شأنكم؟ قالوا: بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية. فقال عيسى: وما الهاوية؟ قال: سجين.
قال: وما سجين؟ قال: جمرة من نار مثل أطباق الدنيا كلها دفنت أرواحنا فيها.
قال: فما بال أصحابك لا يتكلمون؟ قال: لا يستطيعون أن يتكلموا ملجمون بلجام من نار.
قال: فكيف كلمتني أنت من بينهم؟ قال: إني كنت فيهم ولم أكن على حالهم، فلما جاء البلاء عمني معهم، فأنا معلق بشعرة في الهاوية لا أدري أكردس في النار أم أنجو.
فقال عيسى: بحق أقول لكم لأكل خبز الشعير وشرب ماء القرأح والنوم على المزابل مع الكلاب كثير مع عافية الدنيا والآخرة.
وأخرج أبو يعلى قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبًا دعا له، وإن كان شاهدًا زاره، وإن كان مريضًا عاده. ففقد رجلًا من الأنصار في اليوم الثالث فسأل عنه فقالوا: تركناه مثل الفرخ لا يدخل في رأسه شيء إلا خرج من دبره.
قال: عودوا أخاكم فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوده، فلما دخلنا عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تجدك؟ قال: لا يدخل في رأسي شيء ألا خرج من دبري.
قال: ومم ذاك؟ قال يا رسول الله: مررت بك وأنت تصلي المغرب فصليت معك، وأنت تقرأ هذه السورة {القارعة ما القارعة} إلى آخرها {نار حامية} فقلت: اللهم ما كان من ذنب أنت معذبي عليه في الآخرة فعجل لي عقوبته في الدنيا فنزل بي ما ترى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما قلت، ألا سألت الله أن يؤتيك في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ويقيك عذاب النار، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بذلك ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، فقام كأنما نشط من عقال»
. اهـ.